في مقالاته المجموعة في هذا الكتاب... "فكفك" كاتبنا آلية القمع والتسطيح، حتى أدنى دقائقها في دهاليز وزواريب وزوايا العسكريتارية التي استعاضت عن الحرب ضد العدو (حيث عزت الانتصارات) بالحروب الصغيرة، حروب "المخابراتية" التي ذاق هو بعض مرّها، وكادت تكلفه الأكثر، لولا وجود حصانة مهيبة تحمي الحريات بمصداقية تاريخيتها. من هنا عنوان المجموعة: "عسكر على مين؟" ولهل العنوان الثانوي هو الذي يحمل الجواب: "لبنان الجمهورية المفقودة".
فوراً، حتى لا تلتبس المقارنات، لا بد من العودة إلى التاريخ لنقول إلى الفرق بين "عسكرة" فؤاد شهاب، وعهده وبين العهد الذي تتناوله مقالات الكتاب الحالي هو أن الشهابية التي لم تشتد وطأة مخابراتيتها" إلا في الستينات، أي في سنتها الثالثة، حملت إلى الحكم نظرة إصلاحية تقدمية، بينما العهد الحاضر جاء إلى الحكم باسم حياده العسكري وصفاته الانضباطية المترفعة التي تجلت خلال الحر ب المسماة "أهلية". ونكاد نفصح، ولا نزايد على سمير قصير، فنقول أن عل ل"فراغ" عهد لحود من أي مشروع حكم متكامل يذهب إلى جذور الأزمة الاجتماعية والمدنية هو الأمر الذي جعل هذا الحكم "يتجوهر" بالمخابراتية منذ السنة الأولى، خصوصاً لأنه وجد مخابراتية مستورة "بفضل الحرب" تحتل الساحة، فاستدرجت هذه عسكر العهد إلى السباق معها حيناًُ، والتناغم معها، بل عزف أنغامها أحياناً.
غسان تويني
تعليق